الفكرة السائدة في بلداننا العربية هي أن الطب والشعب العلمية يستحسن أن تدرس بالإنجليزية أو الفرنسية بسبب ندرة المراجع العربية. وباستثناء سوريا، فإن معظم البلدان العربية سارت في هذا الاتجاه منذ الاستقلال.
أبدا! وخير مثال على ذلك هو الحالة الأيسلندية. فأيسلندا بلد يقع بكامله على جزيرة في شمال المحيط الأطلسي غير بعيد عن سواحل غرينلاند، في واحدة من أكثر المناطق المأهولة برودة وأقلها كثافة سكانية. عدد السكان لا يزيد على 300 ألف نسمة بكثير. ومع ذلك، فكل المواد في الجامعة تدرس بالأيسلندية. نتحدث هنا إذن عن سكان يعادلون سكان حي في مدينة الدار البيضاء أو القاهرة.
تشرح جامعة ريكيافيك في عاصمة البلد، وهي الجامعة الرئيسية، سياستها اللغوية على موقعها الرسمي، وهي سياسة تستجيب للتشريعات الصادرة عن البرلمان ولتوجيهات الجهات المتدخلة في التخطيط اللغوي:
يتم نقل المصطلحات الجديدة من اللغات الأخرى للأيسلندية بشكل مستمر، حيث يقوم كل أستاذ باقتراح كلمات أيسلندية لترجمة الكلمات الجديدة الوافدة.
يتخرج من كلية الطب في الجامعة أربعون طبيبا سنويا بالمعدل وهو عدد صغير مقارنة بكليات الطب عادة. ومع ذلك، فهي توفر عددا كبيرا من التخصصات. ويلاحظ من قائمتها أن أكثر من 90 في المائة منها تدرس بالأيسلندية.
معظم المراجع في مواد الطب وغيره من الشعب العلمية تتوفر بالإنجليزية. وقد شرحت لي طالبة سبب ذلك: “لا يمكننا ترجمة نسخ يتم تجديدها كل سنة. لذلك نستخدمها بأصلها الإنجليزي”. وتضيف “لكن النقاش في القسم والشرح من الأستاذ والعروض التقديمية التي يستعين بها تكون جميعا أيسلندية وكذلك الامتحانات”.
إن كلمات مثل ديمقراطية، أيديولوجيا، كمبيوتر، إبستيمولوجيا، التي دخلت العربية من باب واسع لم تتمكن من دخول الأيسلندية، برغم أنها كلمات أوروبية، بل تستخدم لها مقابلات محلية.
الاهتمام باللغة الأيسلندية واضح في كونها المادة الأولى في الدراسة الابتدائية والثانوية من حيث الوقت المخصص لها. ويكاد وقتها يكون ضعف الوقت المخصص للغات الأجنبية. وبما أن التلميذ يدرس الرياضيات والعلوم وغيرها بلغته الأم، فإنه يصل الجامعة برصيد جيد يؤهله لاستمرار تلقيها بنفس اللغة.
يتم نقل المصطلحات الجديدة من اللغات الأخرى للأيسلندية بشكل مستمر. ويعتبر الأيسلنديون هذا الجهد مهمة جماعية، فإضافة إلى مجلس اللغة الأيسلندي وما يتبع له من مؤسسات ومجموعات بحث، يقوم كل أستاذ باقتراح كلمات أيسلندية لترجمة الكلمات الجديدة الوافدة. ويساهم الصحفيون والكتاب في ترجمة المصطلحات في مجال الصحافة والإعلام والأدب.
وتتسم الترجمة بتعقيد إضافي بالنظر لأن الأيسلندية لا تستعير الكلمات الأجنبية المعبرة عن المفاهيم الجديدة كما نفعل في العربية، بل تعمد إلى سك كلمات جديدة أو إعطاء كلمات قديمة معان مستحدثة، لحماية اللغة من التأثير الأجنبي.
مثلا كلمات ديمقراطية، أيديولوجيا، كمبيوتر، تلفزيون، إبستيمولوجيا، سيكولوجيا وعموم الكلمات المنتهية بـ “لوجيا” وبـ “طية” التي دخلت العربية من باب واسع لم تتمكن من دخول الأيسلندية، برغم أنها كلمات أوروبية، بل تستخدم لها مقابلات محلية.