الرئيسيةأدب وفنفكر و سياسةتاريخخرائطمعرض 📸 من نحن

مختارات من القديم: الوافر المفترى عليه بسبب "اكحال كر"

أحمد الصديق
أحمد الصديق
11 أكتوبر 2012
مختارات من الق�ديم: الوافر المفترى عليه بسبب "اكحال كر"

عن علاقة بحور الشعر العربي بالموسيقى الموريتانية

كثيرا ما يتحدث الحُدّاث ويكتب الكتاب عن الموسيقى الموريتانية، وهي موضوع يرى البعض أنه قُتل تداولا ونقاشا، لكنْ هناك أفكار نمطية يكثر تردادها عند طرقه، ويبدو لي أن بعضها غير دقيق أو “مجانفٌ” للصواب.. وسأحاول أن أساهم في إعادة النظر في بعض تلك الأفكار أو تجديد النقاش بشأنها، وإن بجهدِ مُقِـلٍّ ابتعد عن كثير من تفاصيل هذا المجال منذ سنين.

خلاصة الفكرة

سأبدأ أولا بخلاصة الفكرة المشار إليها في العنوان، وهي باختصار أن علاقة بحور الشعر العربي بمقامات الموسيقى الموريتانية “اظهورت ازوان” هي أقرب إلى الاعتباطية، وما يعتقده البعض من وجود علاقةٍ ثابتة بينها هو خطأ شائع. نعم، قد توجد علاقة بين بحرٍ ما ولحن معين (لبيتٍ كان أو نحية) في أحد المقامات، لكن ذلك لا يعني علاقة بين البحر وبين المقام نفسه “اظهر”، إذ اللحن أضيق من المقام ويحتاج غالبا إلى شروط أكثر كضبط عدد المتحركات وغيرها، خلافا للمقام فيمكن أن يُحكى أو يُغنى فيه أيُ بيت مهما كان بحره، فهو مثل “قلب ابن عربي” يقبل كل صورة.

التأكيد على اعتباطية العلاقة

تأكيداً لاعتباطية العلاقة بين المقام “اظهر” والكلمات أياً كان بحرها، لا أبالغ إن قلت إنه يمكن الغناء حتى بالنثر -في غير الاشوار طبعاً- إذ من طبيعة “الدخولات”، وهي العزف المسترسل أي ما يسمى بالتقاسيم في المصطلح الموسيقي العربي، أنها منثورة أصلاً وليست محددة بإيقاع. وكذلك ما يُحكى على نغماتها هو أيضاً “منثورٌ” موسيقياً، ولعل في بعض قصص أهل انكذي المغناة -كقصة محمد محمود الشهيرة وغيرها- دليلاً جلياً على إمكانية الغناء بالنثر. وما دام الغناء بالنثر ممكنا فمن باب أولى الغناء بغيره.

هذا فيما يتعلق بـ”البيت”، أما الاشوار -أو النحايَ توخيا للدقة- فمن المتفق عليه أصلا أنها يمكن أن تقوم على أي بحر حسب اللحن المختار.

بحر الوافر

من أشهر البحور وأكثرها تداولا في الأحاديث بحرُ الوافر، وسأتناوله ببعض التفصيل، ثم أعرج بإيجاز على أمثلة سريعة من أبحر أخرى.

كثيرا ما نسمع أو نقرأ عبارات من نوع:

اكحال كر يناسبه مريميدة والواكدي والوافر
ولكحال يناسبه اسغير والخفيف…

ولعل وجود لحن معيّن للوافر في اكحال كر جعل كثيراً ممن يتحدثون عن علاقة بحور الشعر بأزوان يقعون في خلط، فما يسمى لدى البعض “وافر كر” هو مجردُ لَحن مخصوص في اكحال كر، مثلما لُحن فيه الطويل (ابن مهيب مثلاً: به فاستنر إن تنتهض بك همةٌ، بمدح النبي اقطع زمانك ترشُدِ، شفيع الورى والهول قد بلغ المدى، فكم سيدٍ فيها منوط بسيد، هو الملهم الموحى إليه المنبه، لقد فاز من كان الرسول إمامه…إلخ) وكما لُحن فيه أيضا الكامل والسريع لدى مدرسة الكبلة خصوصا.

أمثلة متنوعة

في كر:

  • اكحال كر:
    • ألا يا صحبتي عوجوا فحيوا (مدرسة الكبلة)
    • وطنبور مليح الشكل.. (لدى مدرسة تكانت) وسبقت الإشارة إليها.
    • ابياظ كر: أقول لها وقد طارت شعاعا/ من الأبطال ويحك لن تراعي
    • سلام لا يماثله سلام/ على مَن بعدَه خلت الخيام

في فاقو:

  • جعلنا الهاشمي لنا دليلا/ فسِرنا سير قوم آمنينا
  • إذا ما مقلتي رمدت فكحلي/ تراب مس نعل أبي تراب
  • التحرار:
    • سلمتُ من الأوانس غير دَيّا/ فَدَيَّ اليوم آخذة يديا (وأحياناً قليلة يغنى في غيره)
    • الا أنبيك ويحك يا نديمي/ بما أضفي عليّ من النعيم (ويغنى في غيره أحيانا)

في لكحال:

  • كلفت بكم ففاض دمي دموعا/ وبتّ سمير من هجر الهجوعا (عيد المولود)

في لبياظ:

  • حكت رجع الوشام على الذراع/ منازلُ بالكناون فالذراع
  • حوت ما دون مرتبة التنبي/ يداك من المكارم والمعالي
  • ومما هاجني فازددت شوقا/ بكاء حمامتين تَجاوبان

في لبتيت (ابيظ):

  • فتى يمسي ويصبح بالرشيد/ يعلل بالنسيب وبالنشيد
  • بقيت أسائل الركبان عمّن/ أقام بذي الأراك ومن تناءى (لندن)

هذا ولا ننسى طبعاً مطولات البرعي الوافرية التي غناها الثنائي سدوم وديمي في كل المقامات تقريبا، بل كانا ينشدان الواحدة منها في أكثر من مقام أحيانا (قصيدة “رفاقي الظاعنين متى الورود” غناها سدوم في سيني “شريط 88” وفي تحرار “عيد المولود” وفي لين “وادي الذهب”، وكذلك قصيدة “كلفت بكم ففاض دمي دموعا” التي ذكرنا أنه غناها في لكحال من “عيد المولود” أنشدها أيضاً في اللين من “البهتان”).

ما قيل في الوافر يقال في الكامل والطويل والبسيط والخفيف وغيرها من البحور المتداولة، وسأقتصر هنا على أمثلة من الخفيف والكامل خشية التطويل.. لنأخذ جولة:

الخفيف في كر:

  • رَبِّ إن الهدى هداكَ وآيا/تك نورٌ تهدي بها من تشاء

سيني:

  • بلغوها إذا أتيتم حماها/ أنني مت في الغرام فداها
  • إن ضرباً مع الغناء يُرامُ/ من سوى النعمَ منكرٌ وحرامُ

في فاقو: التحرار:

  • في مزار الشريف سعد أبيه/ كل خير وفي مزار بنيه

في لكحال:

  • واجدٌ أنت من تعذبُ غيري/ وأنا لم أجد سواك رحيما (#وليت_الفنانين “يجدون من يعذبونه” غير هذا البيت الابتهالي الجميل الذي كسروه وزناً وعكسوه معنىً!)

في لبياظ:

  • لازم البَرَّ بابَ والأمّ لالا/ تـُكسَ نوراً وهيبة وجمالا

اللين:

  • مطلعُ الغربِ لاح وَيْحَكَ فيه/ سعدُ خيرٍ مذ لاح سعدُ أبيه

أمثلة سريعة من الكامل

في كر: سيني:

  • زار الحبيب حبيبه متنكراً/ فبدا الرقيب له فولى معرضا
  • وعلى تفنن واصفيه بحسنه/ يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف (ويغنى في اكحال كر وغيره)

فاقو: التحرار:

  • نقِّ المجالس من غليظ الطبع إن/ رمت الغنا أو مثله من مؤتنس
  • لولاه ما خلقت شمس ولا قمر/ ولا نجوم ولا لوح ولا قلم (ويغنى ايضا في سيني كر وغيره)

لكحال:

  • مالي فُتنت بلحظكِ الفتاك/ وسلوتُ كلَّ مليحة إلاّكِ
  • لا تسألنّ بُنيَّ آدمَ حاجةً/ وسلِ الذي أبوابُه لا تـُحجَب (غالباً في التحزام أكثر من غيره من أجناس لكحال)

لبياظ: اللين:

  • شهد الزمان مع المكان بأنني/ أفنيت نفسي في هوى أسماء
  • ما بين ضال المنحنى وظلاله/ ضل المتيم واهتدى بضلاله (واحيانا تغنى في سيني)

**اخترت القاف في تسمية فاقو لأن ذلك هو المتبع لدى كثير من أهل الفن في البلاد، ومنهم الراحل سيمالي ولد همد فال، الذي كان يقول إن تسمية المقام جاءت من الفُواق وهو ريح الشهيق في الفصحى، أو لأن فاقو هو الوحيد من اظهورت ازوان الذي يتضمن “فا” قوية (فا دييز) وذلك عندما تكون “دو” هي نغمة قراره، وهو يرى أن في ذلك إشارة إلى أن قدامى الفنانين من الآباء المؤسسين لأزوان في المنكب البرزخي ربما كانت لديهم نظرية موسيقية مشابهة لما هو معروف في عصرنا. على أنّ الكلمات التي ليس لها أصل مقطوع به في الفصحى لا مشاحة طبعا في نطقها أو كتابتها.


اقرأ أيضاً

قراءة في رواية الحدقي
24 نونبر 2021
جميع حقوق التأليف والنشر محفوظة لأصحابها © 2024

رسالة الموقعمن نحنمواضيعالمعرض