هذه الخريطة هي الجزء الثالث من الأطلس الكتالوني المتمثل في ست مخطوطات أعدها إليشا بن أبراهام كريسكيز سنة 1375. وهو رسام خرائط يهودي مايورقي (نسبةً لميورقه، الجزيرة القابعة قبالة الساحل الشرقي لشبه الجزيرة الإيبيرية التي تشكل اليوم إسبانيا والبرتغال).
يتضمن الأطلس الكتالوني تصور كريسكيس للعالم المأهول في تلك الفترة انطلاقاً من المحيط الأطلسي إلى الصين ومن الدول الاسكندنافية إلى أفريقيا، اعتماداً على ما كان يتداوله الأوروبيون في أواخر القرن الرابع عشر الميلادي من معرفة حول الجغرافيا والسياسة وثقافة الشعوب حول العالم.
يرجح البعض أن يكون هذا الأطلس قد أُنجز بطلبٍ من “بيتر الرابع” ملك أراغون فقد كان كريسكيز رسام الخرائط المعتمد لدى التاج الأراغوني، كما يرجحون أيضا أن هذه المخطوطات قد أُهديت للملك الفرنسي تشارلز الخامس.
يبدو أن كريسكيز اعتمد في عمله هذا على مصادر عربية وعبرية وأوروبية فقد كان يعيش في مدينة مايورقه التي كانت تعج حينها بمختلف اللغات والأديان، يسكنها المسيحيون والمسلمون واليهود. وربما قرأ قصص الرحلات التي كتبها الرحالة الأوروبيون مثل ماركو بولو والمصادر العربية مثل رحلة ابن بطوطة. كما يشير استخدام كريسكيز لأسماء المدن العربية والتنظيم المكاني لخريطته إلى أنه ربما كان قد اطلع كذلك على خريطة العالم التي أنشأها رسام الخرائط العربي الشهير محمد الإدريسي.
من الأمور اللافتة في عمل كريسكيز، تقديمه للحكام العرب والترك والأفارقة من المسلمين كمنافسين سياسيين محترمين وأقوياء ومزدهرين رغم العداوة والحروب بين قومه وبينهم.
فمثلاً قد تكون الصورة الأشهر في هذه الخريطة هي رسمه لحاكم امبراطورية مالي الغنية بالذهب مانسا موسى الذي بلغت أخباره الآفاق وذاع صيته واشتهرت رحلته للحج سنة 1324 أي قبل خمسين سنة من إعداد هذه المخطوطات، وما صاحبها من الكرم وإنفاق الذهب في القاهرة وفي مكة والمدينة.
وعلى عكس ما دأب عليه الأوروبيون في القرون الوسطى من تهميش أفريقيا في خرائطهم، يصور هذا العمل أفريقيا كمركز اقتصادي قوي. يُظهر الحاكم منسا موسى جالساً على عرش ذهبي مبطن، يرتدي تاجًا ذهبيًا يحمل الصولجان وقطعة من الذهب يمدها نحو ملثم على ظهر جمل غير بعيد من خيام عربية تعلوها كراتٌ من الذهب، ربما في إشارة لمعاملة نقدية.
فقد كانت منطقة مالي تشكل منذ العصور القديمة، عصباً تجارياً نشطاً للتجارة عبر الصحراء يربط أفريقيا وأوروبا من خلال شبكات التبادل والقوافل التي تحمل الذهب والعاج والملح والعبيد من جنوب الصحراء إلى ضفاف المتوسط.
مقتطفات منقولة عن الكتالونية حسب مشروع كريسك “يُدعى هذا اللورد الأسود موسى مللي وهو سيد أرض الزنوج في جنيفا [غانا]. ويعتبر هذا الملك أغنى وأنبل هذه البلاد كلها لكثرة الذهب الذي يستخرج من أراضيه.”
“كل هذه الأرض يسكنها أناس يغطون أنفسهم بحيث لايبدوا منهم سوى عيونهم؛ يعيشون في الخيام ويركبون الجمال. وهناك حيوانات تسمى اللمب [أوريس] تصلح جلودها لصنع الدروع الجلدية الجيدة.”
[1] - المكتبة الوطنية الفرنسية [2] - مشروع كريسك